فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مناسبة قوله تعالى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} لما قبله:

قال البقاعي:
ولما كان كأنه قيل: ما فائدة ذلك؟ فقيل: {ذلكم} إشارة بأداة البعد وميم الجمع إلى عظم جدواه.
قال الحرالي: ولبيانه ووضوحه عندهم لم يكن إقبالًا على النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقبل عليه في الأمور الخفية- انتهى.
{أقسط} أي أعدل فقد نقل عن ابن السيد أنه قال في كتابه الاقتضاب: إن قسط بمعنى جار وبمعنى عدل.
وقال الحرالي: {أقسط} من الإقساط وهو وضع القسط وهو حفظ الموازنة حتى لا تخرج إلى تطفيف.
ثم زاد تعظيمه بقوله: {عند الله} أي الذي هو محيط بصفات الكمال بالنسبة إلى كل صفة من صفاته، لأنه يحمل على العدل بمنع المغالطة والتلون في شيء من أحوال ذلك الدين {وأقوم للشهادة} أي وأعدل في قيام الشهادة إذا طلب من الشاهد أن يقيمها بما هو مضبوط له وعليه {وأدنى} أي أقرب في {ألاّ ترتابوا} أي تشكوا في شيء من الأمر الذي وقع.
قال الحرالي: ففي إشعاره أنه ربما داخل الرجل والرجلين نحو ما داخل المرأتين فيكون الكتاب مقيمًا لشهادتهما، فنفى عن الرجال الريبة بالكتاب كما نفى عن النساء الضلال بالذكر- انتهى.
ولما كان الدين المؤجل أعم من أن يكون قرضًا أو تجارة ينمي بها المال المأمور بالإنفاق منه في وجوه الخير النافعة يوم الدين وكان قد أكد في أمر الكتابة تأكيدًا ربما ظن معه الحث عليها ولو لم يكن أجل نبه على أن العلة فيها الأجل الذي هو مظنة النسيان المستولي على الإنسان بقوله: {إلا أن تكون} أي المداينة {تجارة حاضرة} هذا على قراءة عاصم، وكان في قراءة غيره تامة {تديرونها بينكم} أي يدًا بيد، من الإدارة.
قال الحرالي: من أصل الدور وهو رجوع الشيء عودًا على بدئه {فليس عليكم} حينئذ {جناح} أي اعتراض في {ألاّ تكتبوها} أي لأنها مناجزة وهي عرض زائل لا يكاد يستقر في يد أحد لأن القصد به المتجر لا الاستبقاء فبعد ما يخشى من التجاحد. اهـ.

.مناسبة قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} لما قبله:

قال البقاعي:
ولما كان البيع أعم من أن يقصد به المتجر أو غير ذلك من وجوه الانتفاع قال: {وأشهدوا} سواء كانت كتابة أو لا {إذا تبايعتم} أي على وجه المتجر عاجلًا أو آجلًا أو لا للمتجر، لأن الإشهاد أبعد من الخلاف وأقرب إلى التصادق بما فيه من الإنصاف، والأمر للإرشاد فلا يجب.
ولما ألزم في صدر الخطاب الكاتب أن يكتب والشهيد أن يجيب ولا يأبى وأكد ذلك بصيغة تشمل المستكتب والمستشهد فقال ناهيًا: {ولا يضار} يصح أن يكون للفاعل والمفعول وهو صحيح المعنى على كل منهما {كاتب ولا شهيد} أي لا يحصل ضرر منهم ولا عليهم.
قال الحرالي: ففي إلاحته تعريض بالإحسان منه للشهيد والكاتب ليجيبه لمراده ويعينه على الائتمار لأمر ربه بما يدفع عنه من ضرر عطلته واستعماله في أمر من أمور دنياه، ففي تعريضه إجازة لما يأخذه الكاتب ومن يدعي لإقامة معونة في نحوه ممن يعرض له فيما يضره التخلي عنه- انتهى.
{وإن تفعلوا} أي ما نهيتم عنه من الضرار وغيره {فإنه فسوق} أي خروج {بكم} عن الشرع الذي نهجه الله لكم.
قال الحرالي: وفي صيغة فعول تأكيد فيه وتشديد في النذارة- انتهى.
وختم آيات هذه المعاملات بصفة العلم بعد الأمر بالتقوى في غاية المناسبة لما يفعله المتعاملون من الحيل التي يجتلب كل منهم بها الحظ لنفسه، والترغيب في امتثال ما أمرهم به في هذه الجمل بأنه من علمه وتعليمه فقال تعالى- عاطفًا على ما تقدم من أمر ونهي، أو على ما تقديره: فافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه-: {واتقوا الله} أي خافوا الذي له العظمة كلها فيما أمركم به ونهاكم من هذا وغيره.
ولما كان التقدير استئنافًا لبيان فخامة هذه التنبيهات يرشدكم الله إلى مثل هذه المراشد لإصلاح ذات بينكم، عطف عليه قوله: {ويعلمكم الله} أي يدريكم الذي له الكمال كله بذلك على العلم.
وقال الحرالي: وفي قوله: {يعلم} بصيغة الدوام إيذان بما يستمر به التعليم من دون هذا المنال انتهى.
وأظهر الاسم الشريف هنا وفي الذي بعده تعظيمًا للمقام وتعميمًا للتعليم فقال: {والله} أي الذي له الإحاطة الكاملة {بكل شيء عليم} وهذا الختم جامع لبشرى التعليم ونذارة التهديد. اهـ.

.اللغة:

{وليملل} من الإملاء وهو أن يلقى عليه ما يكتبه يقال: أمل وأملى.
{يبخس} البخس: النقص.
{تسأموا} السأم والسآمة: الملل من الشيء والضجر منه.
{أقسط} القسط: بكسر القاف العدل يقال: أقسط الرجل إذا عدل، وبفتح القاف الجور يقال: قسط أي جار ومنه.
{وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا}.
{تضل} قال أبو عبيد: معنى تضل أي تنسى والضلال عن الشهادة نسيان جزء منها.
{أدنى} اقرب.
{ترتابوا} تشكوا، من الريب بمعنى الشك.
{فرهان} جمع رهن وهو ما يدفع إلى الدائن توثيقا للدين. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أن يمل} هو بسكون الهاء: قتيبة والحلواني عن قالون. الباقون بالضم على الأصل {أن تضل} بكسر الهمزة على الشرط: حمزة والمفضل. الباقون بالفتح على أنها ناصبة {فتذكر} بالتشديد والرفع: حمزة وجبلة {فتذكر} بالرفع، ومن الإذكار: أبو زيد عن المفضل {فتذكر} من الإذكار وبالنصب: أبو عمرو وسهل ويعقوب وابن كثير وقتيبة. الباقون {فتذكر} بالتشديد والنصب. {تجارة حاضرة} بالنصب فيهما: عاصم. الباقون بالرفع فيهما. {فرهن} بضم الراء والهاء: ابن كثير وأبو عمرو. الباقون {فرهان}.

.الوقوف:

{فاكتبوه} ط، للعدول. {بالعدل} ص، لعطف المتفقين {فليكتب} ج {شيئا} ط. {بالعدل} ط، {من رجالكم} ج للشرط مع فاء التعقيب {الأخرى} ط {دعوا} ط للعدول {أجله} ط {ألا تكتبوها} ط لابتداء الأمر. {تبايعتم} ص لعطف المتفقين {ولا شهيد} ط {بكم} ط {واتقوا الله} ط O {ويعلمكم الله} ط {عليم} O {مقبوضة} ط لابتداء شرط واستئناف معنى آخر {ربه} ط للعدول {الشهادة} ط {قلبه} ط {عليم} O. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ}:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ} الآية.
قال سعيد بن المسيّب: بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدَّيْن.
وقال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السّلَم خاصة.
معناه أن سَلَم أهل المدينة كان سبب الآية، ثم هي تتناول جميع المداينات إجماعًا.
وقال ابن خويزِ منداد: إنها تضمنت ثلاثين حكما.
وقد استدل بها بعض علمائنا على جواز التأجيل في القروض؛ على ما قال مالك؛ إذْ لم يفصل بين القرض وسائر العقود في المداينات.
وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: الآية ليس فيها جواز التأجيل في سائر الديون، وإنما فيها الأمر بالإشهاد إذا كان دَيْنًا مؤجَّلًا؛ ثم يعلم بدلالة أُخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه. اهـ.

.قال الفخر:

التداين تفاعل من الدين، ومعناه داين بعضكم بعضًا، وتداينتم تبايعتم بدين، قال أهل اللغة: القرض غير الدين، لأن القرض أن يقرض الإنسان دراهم، أو دنانير، أو حبًا، أو تمرًا، أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز فيه الأجل والدين يجوز فيه الأجل، ويقال من الدين أدان إذا باع سلعته بثمن إلى أجل، ودان يدين إذا أقرض، ودان إذا استقرض وأنشد الأحمر:
ندين ويقضي الله عنا وقد نرى ** مصارع قوم لا يدينون ضيقا

إذا عرفت هذا فنقول: في المراد بهذه المداينة أقوال: قال ابن عباس: أنها نزلت في السلف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث، فقال صلى الله عليه وسلم: «من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» ثم أن الله تعالى عرف المكلفين وجه الاحتياط في الكيل والوزن والأجل، فقال: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فاكتبوه}.
والقول الثاني: أنه القرض وهو ضعيف لما بينا أن القرض لا يمكن أن يشترط فيه الأجل والدين المذكور في الآية قد اشترط فيه الأجل.
والقول الثالث: وهو قول أكثر المفسرين: أن البياعات على أربعة أوجه:
أحدها: بيع العين بالعين، وذلك ليس بمداينة ألبتة.
والثاني: بيع الدين بالدين وهو باطل، فلا يكون داخلًا تحت هذه الآية.
بقي هنا قسمان: بيع العين بالدين، وهو ما إذا باع شيئًا بثمن مؤجل وبيع الدين بالعين وهو المسمى بالسلم، وكلاهما داخلان تحت هذه الآية. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى}:

قال القرطبي:
قوله تعالى: {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} قال ابن المنذر: دل قول الله إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى على أن السَّلَم إلى الأجل المجهول غير جائز، ودَلَّت سنة رسول الله على مثل معنى كتاب الله تعالى.
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِم المدينة وهم يستلِفون في الثمار السنتين والثلاث؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أسلف في تمرٍ فليسلِف في كيلِ معلوم ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم» رواه ابن عباس.
أخرجه البخاريّ ومسلم وغيرهما.
وقال ابن عمر: كان أهل الجاهلية يتبايعون لَحم الجَزُور إلى حَبَل الحَبَلَة.
وحبل الحبلة: أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نُتِجت.
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن السّلَم الجائز أن يُسلِم الرجل إلى صاحبه في طعام معلوم موصوف، من طعام أرض عامّة لا يخطئ مثلها، بكيل معلوم، إلى أجلٍ معلوم بدنانير أو دراهم معلومةٍ، يدفع عن ما أسْلَم فيه قبل أن يفترقا من مقامهما الذي تبايعا فيه، وسَميَّا المكان الذي يُقْبَض فيه الطعام.
فإذا فعلا ذلك وكان جائز الأمر سَلَما صحيحًا لا أعلم أحدًا من أهل العلم يبطله.
قلت: وقال علماؤنا: إن السَّلَم إلى الحَصاد والجَذَاذ والنَّيْروز والمِهْرَجَان جائز؛ إذْ ذاك يختص بوقت وزمن معلوم. اهـ.